لماذا مركز الحوار والسلام والتفاهم؟ ولماذا منظمة التعاون الإسلامي؟

من قسم افتراضي, المقالات. منذُسنة واحدة.2019-09-04T11:52:01+03:0012:00 صباحًا الأربعاء 28 سبتمبر 2016 م / _28 _سبتمبر _2016 ه‍|

شهد العالم منذ نهاية الحرب الباردة مطلع تسعينات القرن الماضي تحولات جوهرية في عوالم السياسة والفكر  والاقتصاد، حيث برزت مفاهيم العولمة السياسية والثقافية، وسيادة النمط الرأسمالي على العالم على مجالات النقاش العالمي سياسياً وثقافياً، في ظل هذه التحولات الجذرية ظهرت على السطح إشكالية جدلية جديدة وهي جدلية العنف والسلام، والتي بدأت تكبر وتتضخم ككرة الثلج منذ بداية التسعينات إلى أن غلبت على كافة سياقات النقاش الأخرى وهمشتّها، كونها تضرب في صميم ما حققته الحضارة الإنسانية للإنسان من رفاه وأمن واستقرار، ومازاد الطين بلة هو أن هذه الظاهرة ركبت عربات قطار العولمة لتخترق حدود الدول المحصنة وغير المحصنة الغنية الفقيرة على حد سواء، لذا  باتت هذه الظاهرة بمعية قضايا البيئة على جدول كل المؤتمرات واللقاءات والمناسبات الرسمية وغير الرسمية، وبرزت بموازاة ذلك العشرات ( أزيد من 100 مركز حسب احصاء بنيامين فريدمان) المراكز العلمية والسياسية لدراسة هذه الظاهرة وتحليلها ودراسة أبعادها وسيل مكافحتها، وفي خضم هذا الزخم السياسي والفكري الذي تطور بشكل متسارع في الغرب بشكل خاص بعد أحداث 11 من سبتمبر، ظهرت استجابات متعددة مثيلة في العالم الإسلامي، نظرا لكون أغلب سلبيات هذه الظاهرة عصفت بالعالم الإسلامي أكثر مما عصفت بغيره، وكون أغلب ما اقترفته ماكينة الارهاب والتطرف في العشرين سنة الأخيرة نسب أو انتسب للإسلام بشكل أو بآخر. ظهرت هذا الاستجابات في شكل مراكز بحوث متخصصة ومبادرات سياسية وخطط مواجهة محلية وجهوية تبنتها الدول المسلمة للتصدي لهذه الظاهرة، إلا أن عامل ضعف التنسيق والمحلية كان دائما ما يعصف بهذه الجهود، ويقلل من تأثيرها وفعاليتها.

من هذا المنطلق كان على منظمة المؤتمر الإسلامي أكبر ممثل للدول العالم الإسلامي سياسياً وثقافياً واقتصادياً أن تحاول تنسيق هذه الجهود وتوحيدها من أجل توحيد الرؤيا لمكافحة التطرف والارهاب الذي يمارس باسم المسلمين ويحصد أكثر ضحاياه من المسلمين أنفسهم، وليس هذا بجديد عن منظمة التعاون الإسلامي التي نص ميثاقها التأسيسي الأول ومنذ زمن مبكر جدا والصادر في قمة الرباط ما بين لـ 22 إلى 25 سبتمبر 1969م”، على وجوب الحفاظ على القيم الإسلامية النبيلة المتمثلة في السلام والتراحم والتسامح والمساواة والعدل والكرامة الإنسانية، وتعزيزها، كما ينص الهدف الحادي عشر من المادة الأولى من الميثاق الأساسي للمنظمة على نشر وتعزيز وصون التعاليم والقيم الإسلامية القائمة على الوسطية والتسامح، وتعزيز الثقافة الإسلامية، بينما ينص الهدف  18 من المادة الأولى من أهداف المنظمة على وجوب التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره و الجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع في المخدرات والفساد وغسيل الأموال والاتجار في البشر، وتبرز في هذا مضمار جهود المنظمة في مكافحة الارهاب؛ مدونة قواعد السلوك للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي حول مكافحة الإرهاب الدولي الصادرة عام 1994، والتي نبهت لوجوب التحرك لمواجهة الارهاب وتعتبر سابقة للكثير من الجهود الدولية في مكافحة هذه الظاهرة، كما أن معاهدة منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي للعام 1999 بواغدوغو أبرزت دور المنظمة في التصدي لهذه الظاهرة، وكرست دورها المحوري في التصدي لها دولياً ومحلياً، ولعل من آخر البيانات الرسمية البيان الصادر عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي المنعقدة على المستوى الوزاري في ختام اجتماعها الطارئ بمقر الأمانة العامة للمنظمة في 15 فيراير 2015. والذي دعى وبكل إلحاح لوضع خطة متكاملة من أجل تجريد التطرف من مستنداته الدينية وتعرية خطابه الدموي ونزع الشرعية عنه. هذا البيان الذي مهد إلى بداية شكل جديد من أشكال المواجهة مع هذه الظاهرة، وهي المواجهة الفكرية والدينية والانتقال من العمل السياسي إلى الجهد الفكري والفقهي في التصدي لها، وقد تأكد هذا المسعى بالقرار 41/42 POL والتي تبناه الاجتماع 42 لوزارء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بالكويت ما بين 27-28 ماي 2015، والذي دعى الأمين العام للمنظمة لوضع استراتيجية ناجعة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والاسلاموفوبيا واستحداث آليات عملية تتولى فتح جبهة مواجهة مع الخطاب المتطرف عبر الوسائل التي يوظفها هو للتغلغل بين أوساط الشباب المسلم، وذلك بتوظيف كافة وسائل التواصل من إعلام ومنصات التواصل الاجتماعي،  وتوحيد الجهود عبرها لابراز حقيقة التعاليم الإسلامية وموقف الإسلام من العنف والتطرف المغالاة في الدين.

من هذا التاريخ الزخم بجهود مكافحة التطرف والارهاب تبلورت فكرة تأسيس مركز الحوار والسلام والتفاهم التابع لمنظمة التعاون الإسلامي لتولي هذه المهمة الصعبة والتي من شأنها أن تكون وجهة لكل الباحثين الساعين لتجلية وعرض سماحة الإسلام، كما ووجهة لكافة الباحثين عن الحقيقة في عالم افتراضي تتلاطم وتموج فيه الأفكار وينزلق فيه العديد من الشباب نحو التطرف لقلة معرفتهم بأحكام دينهم.

*الدكتور طارق العجال هو استاذ للتاريخ بجامعة عفت بمدينة جدة.