تتجلى الرحمة المحمدية واللطف النبوي في كافة لحظات وأنفاس نبي الرحمة، وتتجلى في أبهى صورها حتى مع الأسرى الذين خرجوا من ديارهم لمحاربته والوقوف في طريق دعوته، ومن عجائب قصص رحمته قصة سفانة ابنة حاتم الطائي التي أُسِرت في حرب مع قبيلة طيِّئ، فجُعِلَت في حظيرة بباب المسجد، فمرَّ بها رسول الله؛ فقامت إليه، فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامْنُنْ علَيَّ مَنَّ الله عليك… فقال رسول الله: “قَدْ فَعَلْتُ، فَلا تَعْجَلِي بِخُرُوجٍ حَتَّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِكِ مَنْ يَكُونُ لَهُ ثِقَةً حَتَّى يُبَلِّغَكِ إلَى بِلادِكِ، ثُمَّ آذِنِينِي”. تقول ابنة حاتم الطائي: وأقمْتُ حتى قَدِمَ رَكْبٌ من بَلِيٍّ أو قضاعة، وإنما أُرِيد أن آتي أخي بالشام، فجئتُ فقلتُ: يا رسول الله، قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقةٌ وبلاغ. قالت: فكساني، وحَمَلَني، وأعطاني نفقة، فخرجتُ معهم حتى قَدِمْتُ الشام” فهل من رحمة أعمق من هذه الرحمة يمن عليها بحريتها، ويصرّ عليها أن تسافر مفردة خوفاً عليها حتى تجد رفقة تأخذها سالمة إلى أهلها.