في ضرورة تفكيك خطابات التطرف (في أهمية الوعي بالسياق)

من قسم افتراضي. منذُسنة واحدة.2016-10-10T00:00:00+03:0012:00 صباحًا الإثنين 10 أكتوبر 2016 م / _10 _أكتوبر _2016 ه‍|

تَحْتَوِشُ الإنسان إفرادا واجتماعا، جملة من العناصر الذاتية، والموضوعية التي يتشكّل منها سياقه الذي يحيا ويعيش فيه، والتعاطي مع هذا الإنسان في ذهول عن عناصر سياقه لا يمكن أن يكون مُستجمِعا بحال لعناصر الفاعلية.

فإذا أخذنا مثالا على ذلك، التعاطي على مستوى الخطاب، فإن عدم استحضار عناصر السياق النفسانية يصيب هذا الخطاب بالنقص ويُعدمه القدرة على إصابة المحزّات، وتطبيق المفاصل، ووضع الهناء في مواطن النقب، لأن اعتبار السياق النفسي للإنسان المخاطَب هو الذي يحدد كيفية صياغة الخطاب لكي يكون موائما للمخاطَب مُتفهَّما من لدنه، ومُحدِثا للتفاعل المؤدي إلى التبني المطلوب.

وعدم اعتبار السياق العقلي للمخاطَب، يؤدي إلى تفاوت عن مستوى المخاطَب إما إفراطاً أو تفريطاً.

وعدم اعتبار السياق الاجتماعي بمختلف أبعاده، يجعل هذا الخطاب غير معانق لانتظارات المخاطَب، وآلامه وآماله، ويمكن قولُ قريبٍ من ذلكم عن آثار عدم إدراك السياقات الاقتصادية، والسياسية، والمحلية، والكونية على هذا الخطاب.

وهناك مجموعة من المؤشرات التي تكشف اهتمام المسلمين بالسياق، أهمها العمل على استجلاء كيفية تنزيل النبي صلى الله عليه وسلم لنصوص الوحي على الناس بالمدينة المنورة، وقراءة ابن العباس “عم رسول الله” للسياق النفسي للسائل حينما سأله: هل للقاتل من توبة؟ فسد الباب أمامه عندما قرأ في ملامحه أنه عازم على القتل ويريد الرخصة، وفتح الباب لمن رأى أنه قتل فعلا ويريد التوبة.

ولقد أبدع علماء المسلمين في توظيف الآليات الاستنطاقية لفهم السياق الداخلي (النص القرآني المؤسس والسنة الموضحة له)، والسياق الخارجي (واقع الناس ومحاورة الكون بآليات علمية ومنهجية).

وقد نصوا عدة مفاتيح وآليات لفهم السياق من أجل تفادي الوقوع في الاضطراب و”الالتياث”[1]، ومنها:

الوعي بالسياق النفسي للمخاطب: حيث يلقى الخطاب موائما لنفسية المخاطب (تجربة ابن العباس مع من يريد معرفة توبة القاتل)، وهذا الوعي يبقى ضروريًا خاصة لمعرفة احتياجات الطفولة وتنوع البنيات الأسرية والعلاقات والمعارف، التي تحكم بنية كل مجتمع،

الوعي بالسياق العقلاني والمعرفي: وذلك باستحضار القدرة الإدراكية للمخاطب حتى لا يحصل “الاستوحاش”،

الوعي بالسياق المادي الاجتماعي: وذلك بمعرفة العلاقات بين أفراد المجتمع، فعين المجتمع ليست مثل عين الفرد، كما أن الهموم والآمال تبقى متفاوتة بين المخاطبين. ومما يسهم في ذلك ضرورة الوعي بكيفية غرس النبي صلى الله عليه وسلم للوحي في نفوس الناس، مما يساعد على تنزيله في واقعنا بمقدار يراعي السياق، إذ هناك مستويان في فهم السياق:

السياق الذي أعمل فيه النبي صلى الله عليه وسلم النصوص.

معرفة السياق الذاتي النفسي والاجتماعي وآليات المقاربة.

 

  • *الأستاذ الدكتور أحمد عبادي هو أمين عام الرابطة المحمدية للعلماء في المملكة المغربية

 


[1] ـ مستعيرًا اللفظ من عنوان كتاب “غياث الأمم في التياث الظلم” لإمام الحرمين الجويني رحمة الله عليه، المتوفى سنة 478ه.