وضوح الإسلام ورعونة الفكر الإرهابي

من قسم افتراضي, المقالات. منذُسنة واحدة.2019-09-04T11:51:23+03:0012:00 صباحًا الخميس 13 أكتوبر 2016 م / _13 _أكتوبر _2016 ه‍|

وضوح الإسلام في حماية المجتمع ومحاربة الإرهاب:

الإسلام يصون الحرمات: والحُرُماتُ جمع حُرْمَةٍ، وهي ما منعت من انتهاكه، فكل اعتداء متعمد على حرمة من الحرمات يأثم فاعله ويحاسبه الله على فعله، سواء في الدنيا أو في الآخرة أو في كليهما. أما عن المجتمع، فالجريمة فهي ذلك الفعل الذي يستوجب عقاباً بالقانون، سواء كان قانوناً جزائيًّا أم عسكرياً أم أمنيًّا ..

الحرمات التي يحميها الإسلام: تحمي الشريعة الإسلامية جميع الحرمات، وهي كثيرة، يجملها الفقهاء في: حرمة النفس والمال والعرض والدين، ويتفرع عنها تفصيلات، من أهمها ما يلي:

حرمة الأماكن: المساكن – المؤسسات – المنظمات – السفارات – أماكن العبادة – الطرق – الحدود

حرمة الأشخاص: الطبيعيين والمعنويين وأموالهم: المواطنون – المستأمنون – البعثات – اللاجئون

حرمة العهود والمواثيق: أي احترام الاتفاقيات الثنائية – الاتفاقيات الإقليمية – الاتفاقيات الدولية

حرمات الحرب: حرمة المدنيين – الأشهر الحرم معاملةً بالمثل- السفراء والوسطاء بين المتحاربين

تلك أهم التقسيمات للحرمات، ويمكن أن يضاف إليها أقسام أخرى وفقا للجرائم المحددة في القانون الجزائي، كحرمة أسرار الدولة والأسرار المهنية والاقتصادية، وما إلى ذلك.

القرآن الكريم: يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (المَائِدَة: 92 – 94) ومعنى قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يعني لا تجعلوا من عقيدة من سالمكم مبرراً للاعتداء على نفسه أو ماله أو عرضه أو شعائره، فالاستباحة بالتكفير حجة لا يقبلها الله عز وجل، وهو القائل: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنْعَام: 108)، وقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} (التَّوْبَة: 6). كل ذلك لأن المجتمع المسلم هو في المقام الأول مجتمع دعوة وإصلاح: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (النَّحْل: 125- 128).

السنة النبوية: عَن عِكْرِمَة، حَدَّثَنِي ابْنُ حُجَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ: “أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَطَبَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: أَلاَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، فَلْيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ” (أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه والبيهقي والنسائي في سننه الكبرى).

وعن أبي صخر المدني، أن صفوان بن سليم أخبره عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن آبائهم دنية: “عن رسول الله، صلى الله عليه و سلم، قال: ألا من ظلم معاهدا وانتقصه وكلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة، وأشار رسول الله، صلى الله عليه و سلم، بأصبعه إلى صدره، ألا ومن قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله، حَرَّمَ الله عليه ريح الجنة وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا” (أخرجه البيهقي في السنن الكبرى).

وعن أبي الدراء و أبي أُمَامَة وواثلة بن الأسقع وأنس بن مالك، رضي الله عنهم، قالوا: “خرج علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوما ونحن نتمارى في شيء من أمر الدين، فغضب غضباً شديداً لم يغضب مثله، ثم انتهرنا فقال: مهلا يا أمة محمد، إنما هلك من كان قبلكم بهذا، أخذوا المراء لقلة خيره، ذروا المراء فإن المؤمن لا يماري – المماري: المخالف الذي لا يلتزم الحق – ذروا المراء فإن المماري قد نمت خسارته، ذروا المراء فكفاك إثما أن لا تزال ممارياً، ذروا المراء فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة، ذروا المراء فأنا زعيم بثلاث آيات في الجنة: في رباضها ووسطها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق، ذروا المراء فإن أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان المراء وشرب الخمر، ذروا المراء فإن الشيطان قد يئس أن يعبد ولكنه قد رضي منكم بالتحريش وهو المراء، ذروا المراء فإن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على ثنتين وسبعين كلهم على الضلالة إلا السواد الأعظم، قالوا: يا رسول الله ومن السواد الأعظم، قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي، من لم يمار في دين الله ومن لم يكفر أحداً من أهل التوحيد بذنب غفر له، ثم قال: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريباً، قالوا: يا رسول الله ومن الغرباء، قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس ولا يمارون في دين الله ولا يكفرون أحداً من أهل التوحيد بذنب” (الطبراني في المعجم الكبير)

الإرهاب اعتداء سافر على أمن المجتمع:

القرآن الكريم: يشدد العقاب على الجريمة الإرهابية ويسميها بالحرابة، لأنها حرب على المجتمع بإحداث الذعر والاضطراب فيه، فيصبح الناس خائفين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم. يقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المَائِدَة: 33 – 34). من العلماء من ذهب إلى أن تلك العقوبات مقدرة بحسب الآثار التي يحدثها العمل الإرهابي في المجتمع، لأن لفظ “أو” في الآية بمعنى “بل” فيكون المراد: بل يصلبوا إذا اتفقت المحاربة بقتل النفس وأخذ المال، بل تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا المال فقط، بل ينفوا من الأرض – أي يسجنوا – إذا خَوَّفُوا الطريق”. وذهب آخرون إلى أن التخيير للإمام حسب ما يراه في المحاربين دون التقيد بالتناسب بين الأفعال وآثارها. وتوبة المحاربين – الإرهابيين – من قبل أن تقدر السلطات عليهم معناها أنهم يسلموا أنفسهم، فيسقط عنهم ما كان من حقوق الله، من تحتم القتل أو الصلب أو القطع أو النفي، أما حقوق العباد، فلا تسقط فيعاقبوا على القتل وأخذ المال. وقال الإمام أبو حنيفة: إذا جمع بين القتل وأخذ المال فللإمام الخيار، إن شاء قطع يده ثم قتله وصلبه، وإن شاء قتله وصلبه ولم يقطعه، لأن نوع المحاربة متعددٌ صورةً متحدٌ معنىً، فيتخير لهذا (أصول الفقه، للسرخسي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1414هـ / 1993م، ج1، ص 215).

تعريف المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي للإرهاب: هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول، بغيًا على الإنسان في: دينه ودمه وعقله وماله وعرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى: إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر. ومن صنوفه: إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله، سبحانه وتعالى، المسلمين عنها ، قال تعالى : {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القَصَص: 77).

عناصر الجريمة الإرهابية: لكي يعتبر الفعل جريمة إرهابية، يجب أن يتوافر فيه العناصر التالية:

الفعل: أن يكون فعلاً ماديًّا محظوراً بالشرع أو القانون، يدخل في ذلك ترويج الشائعات للتخويف

المحل: وقوع الفعل على الحرمات المصونة: فيخرج: إرهاب العدو – مقاومة المستعمر – الدفاع

الأثر: إحداث الخوف أو الرعب أو الاضطراب وغير ذلك من أضرار بالمجتمع

القصد: العمد أو شبه العمد، فيخرج من الإرهاب ما كان بحسن نية، كالتحذير العالمي في نهاية القرن الماضي من انهيار معلوماتي يصيب الحاسب الآلي بسبب إغفال صفر في برمجته منذ اختراعه، فحدث الهلع وأُوقِفَ الطيران أول يوم من العام 2000م، خوفاً من اختلال حواسيب الملاحة، وسارع الناس والمؤسسات إلى أجهزة تخزين المعلومات الإلكترونية، فحدثت الخسارات وزيادة التكاليف، ولم يحدث شيء لأي حاسوب.

تقسيم الجرائم الإرهابية: وعلى ضوء التعريف السابق للإرهاب، يتبين أنه في العلاقة بالأمن، يمكن تقسيم الجرائم إلى: جرائم عادية تتعامل معها السلطات في إطار نشاطها المعتاد، وجرائم إرهابية تدفع إلى استنفار غير عادي لأنشطة سلطات الأمن، كما يمكن تقسيم الجرائم الإرهابية إلى ثلاثة أنواع:

– الجريمة الإرهابية الفردية: هي جريمة عمدية، أو شبه عمدية، يقوم بها فرد أو أفراد لا ينطبق عليهم لفظ الجماعة عرفاً، وتسبب الذعر والإرجاف وتستلزم سرعة السلطات وتكثيف نشاطها في ملاحقة المجرمين، كالاعتداء جهراً أو برفع سلاح وما يقوم مقامه من آلات تحدث القتل والتخريب، أو وتسور الأسوار أو اقتحام الأماكن المحرمة ليلاً .. أوصاف يطلق على كثير منها مصطلح الظروف المشددة للعقاب

– الجريمة الإرهابية الجماعية: وينطبق عليها التعريف السابق، إلا أن مرتكبيها يكونوا جماعة أو جماعات من الناس، وتسبب الذعر والإرجاف، وتستلزم نشاطاً غير عادي للسلطات من أجل التعامل معها واحتوائها، مثل سرقة البنوك وقطع الطريق والثأر الجماعي والتظاهر غير السلمي والخروج على الحكومة الشرعية

– الجريمة الإرهابية المنظمة: هي الأنشطة العمدية التي تقوم بها جماعة أو جماعات منظمة، من أجل الاعتداء الإجرامي على شعب أو دولة ومؤسساتها، وتسبب زعزعة المجتمع، كالاعتداء الغاشم غير المبرر الذي تقوم به حكومة ما لقمع شعبها أو اعتداء دولة على دولة أخرى، والأنشطة الإجرامية التي تقوم بها جماعة غير معترف بها شرعاً، كمنظمات المافيا والتنظيمات التي تضع نفسها تحت عناوين إسلامية، والإسلام منها براء.

رعونة الفكر الإرهابي وافتقاره إلى الحجة:

– من عوامل انتشار الإرهاب جهل العامة بالشرع وانتشار الروح العدائية: من الآراء المستغربة على صفحة اليوتيوب، كلام للشيخ القرضاوي في حوار على قناة الجزيرة، يقول فيه: “الأصل أن عمليات التفجير الانتحاري لا تجوز إلا بالتدبير الجماعي – نسأل: ماذا يقصد بالتدبير الجماعي – يسترسل: فالأصل أن الإنسان يقاتل فيقتل، فلا يقدم على التفجير الانتحاري – نسأل: يقاتل من: أبناء وطنه أم الأعداء المحاربين – يسترسل: إلا إذا رأت الجماعة أنها في حاجة إلى هذا الأمر” انتهى الحوار دون أن يوضح أي جماعة يقصد. يمكن حمل كلامه على تفجير النفس نكاية بالعدو المحارب، وذلك أيضاً رأي يفتقر إلى الدليل الشرعي (حلقة تلفزيونية، قناة الجزيرة، على يوتيوب https://www.youtube.com/watch?v=9n_rlg2wpWw).

لم يُفْتِ أحَدٌ بجواز التفجير الانتحاري في مواجهة مسلمين أو ذميين أو معاهدين، أو مؤسسات مجتمع مسلم أو دولة يشمل شعبها مسلمين وقانونها يحمي حرماتهم ويسمح لهم ببناء المساجد وإقامة الشعائر .. أما الآراء التي تجيز تفجير النفس تجاه العدو المحارب، فهي بدورها تتسم تفتقر إلى دليل شرعي يجيزها، وتستعير أمثلة من كتب التراث لآحاد من الصحابة الكرام، رضي الله عنهم، كانوا قليلي العتاد، ومع ذلك اقتحموا على العدو فقاتلوا وقتلوا. أين قتل النفس في هذه الأمثلة البطولية الشجاعة، حتى يمكننا أن نقيس التفجير الانتحاري عليها، فلا مجال للقياس هنا، فهو من قبيل الخطأ لوقوعه على غير محل.

يقول الشيخ ابن عثيمين، في فتواه المانعة من تفجير النفس للنكاية بالعدو: “رأيي في هذا أنه قاتل نفسه وأنه سيعذب في جهنم بما قتل به نفسه، كما صح ذلك عن النبي، عليه الصلاة والسلام، لكن الجاهل الذي لا يدري وفَعَله على أنه فعل حسن مُرْضٍ عند الله، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنه، لكونه فعل هذا اجتهاداً، وإن كنت أرى أنه لا عذر له في الوقت الحاضر، لأن هذا النوع من قتل النفس اشتهر وانتشر بين الناس، وكان على الإنسان أن يسأل عنه أهل العلم حتى يتبين له الرشد من الغي”. وممن منعها الشيخ سعيد عبد العظيم، في كتابه: تحصيل الزاد لتحقيق الجهاد، حيث قال: “غلبة الظن بحصول الهلاك ليس معناه ارتداء الفدائي لأحزمة ناسفة، إذ الواجب عليه أن يأخذ لنفسه بأسباب النجاة ما استطاع، مع حرصه على استلحاق المضرة والأذى بالأعداء حتى وإن أدى ذلك لموته .. فقتل بعض الجيش والشعب بمثل هذه العمليات في أوضاعنا التي نعيشها اليوم هو من اتباع سبيل المجرمين، حيث لا ينفك ذلك عن الغدر المحرم وتعدي الأذى والمضرة البالغة للأبرياء دون مصلحة معتبرة” ( الرأيان مذكوران ببحث ماجستير في الفقه وأصوله “الأعمال الفدائية: صورها وأحكامها” كلية التربية جامعة الملك سعود بالرياض، منشور بالمكتبة الشاملة الإلكترونية).

يقول الأستاذ محمد آل شيخ: “إننا ما لم نتتبع أصحاب الفتاوى الانتحارية ومصدريها، نسكت عنهم ونجاملهم، ونغض أبصارنا عنهم، ونلقي باللوم على ظاهرة الإرهاب، ونتحاشى توجيه أصابع الاتهام إلى من ابتكر سلاح “الانتحار الإرهابي” فسنظل ندور في حلقة مفرغة .. ومعروف في أدبيات الفقه الإسلامي أن من قاتل وقتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو شهيد، يتمتع بكل ما يتمتع به الشهداء في الجنة، وأهم ما يستمتع به كما في بعض الروايات سبعين حورية مع سبعين وصيفة .. إن منظومة الإرهاب التكفيري تتكون من شيخ يفتي .. وشيخ يُحَدِّثُ عن الحور في الجنة، ومهووسٍ معلولٍ نفسيًّا يقوم بتنفيذ العملية” (مقال منشور بموقعي العربية والحدث على الإنترنت، مُحَدَّثٌ بتاريخ: الأربعاء 26 ذو الحجة 1437هـ / 28 سبتمبر 2016م).

– وضوح الإسلام في تحريم الانتحار: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَل نَفْسَه بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ، يَجَأ بِهَا بَطْنه يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ، يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ مُتَرد فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا” (سنن الترمذي والدارمي والبيهقي). وعن جابر بن سمرة: “أن رجلا من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، أصابته جراح فآلمت به فدب إلى قرن له في سيفه فأخذ مشقصاً – مِشْقَصٌ: نَصْلٌ طَوِيلٌ عَرِيضٌ – فقتل نفسه، فلم يُصَلِّ عليه النبي، صلى الله عليه و سلم” (المعجم الكبير، للطبراني). وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، رضي الله عنه: “أُتِىَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ”، وَفِى حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: “مَرِضَ رَجُلٌ فَصِيحَ عَلَيْهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّهُ مَاتَ، قَالَ: مَا يُدْرِيكَ، قَالَ: إِنَّهُ صِيحَ عَلَيْهِ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، ثُمَّ انْطَلَقَ الرَّجُلُ فَرَآَهُ قَدْ نَحَرَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مَاتَ، فَقَالَ: مَا يُدْرِيكَ، قَالَ: رَأَيْتُهُ نَحَرَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، قَالَ : إِذَاً، لاَ أُصَلِّى عَلَيْهِ” (مسلم والطبراني والبيهقي).

– غياب التفكير في أطر حديثة للخلافة: من هذه الفجوة الكبيرة ظهرت الرعونة المتأثرة بالفكر المكيافيلي القائل بأن الغاية تبرر الوسيلة، فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وغيره من التنظيمات الإرهابية، يُكَفِّرُوُنَ الناس لينتهكوا حرماتهم وليقتلوا الأبرياء وليستولوا على مساكنهم، بحجة أن الغاية هي إقامة دولة الخلافة، والوسيلة هي سفك دماء كل من لم ينضموا إليهم. هل يليق بالمسلمين ودينهم يأمر بالتوحد أن يتفرقوا شيعاً، في حين أن المجتمعات الغربية تتوحد تحت أطر حديثة، كالاتحاد الأوروبي الذي يتناوب على رئاسته الدول الأعضاء، وكل شيء يسير في سلم وأمان. إذاً، فليس من الغريب أن يمهلهم الله، بالرغم من غلوهم في ممارسة الحريات التي تصل إلى الإباحية المشينة، لأن الإسلام ينمو في تعدادهم الديمغرافي، ليصبح هو الغالب عدداً وفكراً، بدءاً من العام 2024م. هل ننكر أن الله أمهل أهل الجاهلية على شركهم حتى آمنوا فأشرق مستقبلهم بالإسلام وتوحدهم على كلمته. وليس من الغريب أن تتدهور دول إسلامية، فيجري فيها ما نراه الآن، ويسحب البساط من تحتها، لأن الإسلام بين أيديها، ولكن أهلها يعيرونه مرتبة أدنى من المصالح المادية والتنافس على المراكز الاجتماعية واكتناز المال، فالتعليم متدهور والفقر يزيد والبطالة تتفاقم ..

– غياب التقييم الشرعي للأحداث التاريخية: من الضروري التعليق على كتب التراث التاريخي بما يوضح للقارئ شرعية المواقف من عدمها، لأن هذه الكتب انتشرت – بالطباعة الحديثة – في أيدي الكثير من الناس غير المتخصصين في علوم الشريعة الإسلامية، ومن هنا نجد الجماعات المتطرفة تنحى إلى الصراع الدموي، وتبرره لنفسها بالفكر المكيافيلي: “الغاية تبرر الوسيلة”، وليس ذلك من الإسلام في شيء، فيبادرون بتكفير المجتمع ليقتلوا الأبرياء ويطردوا الضعفاء من ديارهم، ويتوهمون أنهم على حق، لمجرد أنهم وجدوا في كتب التراث بعض أمثلة من الصراعات على الخلافة قامت على دماء الناس وإزهاق الأرواح وتشريد الضعفاء وإجلاء الأقليات، والحق أن ذلك أبعد كل البعد عن عدالة الإسلام. ولا يخفى على أحد أن التنظيمات الإرهابية تسير اليوم على نفس هذا المنهج الإجرامي المشين.

– تفشي الجهل والفقر والبطالة: من الواضح أن الجماعات الإرهابية تتحصل على تمويل يدفعها إلى التوسع والانتشار، والظاهر أمامنا أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” يأتي بالمال من السيطرة على أبيار النفط، فإذا رحل عنها حرقها. ويقال: إن المجند فيه يتحصل على أزيد من 2.000 دولار شهريًّا. يا له من عنصر جذب، لا يستهان به، للجهلاء والفقراء والعاطلين عن العمل في الشرق والغرب. ومن أغرب الأمور أن أغلب المجتمعات العربية والإسلامية مقتدرة، والأشخاص ملتزمون شرعاً بدفع الزكاة على المدخرات والزراعة والأنعام وعروض التجارة، من أجل مكافحة الفقر والجهل ونشر الدعوة وتطوير البنية، والمساعدة في الكوارث .. أين هي تلك الأموال، وكيف يتقاعس ولاة الأمور عن تحصيلها وصرفها في أوجهها، وهي تكفي للقضاء على الفقر في العالم بأسره، أفلا يقتدون بأبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أول خليفة لرسول الله، صلي الله عليه وسلم، حين قال كلمته الشهيرة في مانعي الزكاة: “والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم عليه” وصدق، فنصره الله عليهم وعلى غيرهم من المرتدين. قرأنا أن الأمير الحسن بن طلال كان يسعى إلى إنشاء بيت إقليمي للزكاة مركزه الأردن وتتعاون في تمويله وإدارته الدول الإسلامية، ونشهد لدولة الكويت أن أسست صندوقاً قويًّا للزكاة، فالمشاريع موجودة والخبرات متوفرة، فكيف لا نلمس تقدماً في جمع الزكاة وصرفها في أوجهها، وتعداد المسلمين يقترب من خُمْسِ سكان العالم، وهل هناك ما يمنع من تحصيل قدر منها بالخصم من المرتبات المرتفعة.

– ضرورة الاهتمام بتطوير التعليم وإحياء الاجتهاد: علم اصول الفقه الإسلامي يدرس اليوم في الجامعات في إطار نظري بحت، يبحث في القديم ولا يتعرض لقضايا المجتمع إلا في جوانب ضيقة من المستجدات، في حين أن الجديد يصيب كل شيء، حتى ما أفتى فيه القدماء. والواجب أن يتدرب الطلاب تحت إشراف معلميهم على الأبحاث التطبيقية في كافة قضايا المجتمع المعاصر، من أمن المجتمع، وحقوق الإنسان، وظاهرة الإرهاب، وكيف تجلب الزكاة والضرائب، وكيف توزع، وكيف تعالج ظاهرة الفقر والزواج الخفي، وكثرة اللقطاء في الملاجئ .. إلخ. وكل دولة لها تجربة ناجحة عليها معاونة غيرها، وكل معاصر هو جديد، وللإمام السيوطي كتيب شاف في هذا الصدد بعنوان: “الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض” (مطبوع، بتحقيق خليل الميس، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1403هـ). نرجو إحياءه، عملاً بقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النِّسَاء: 59) ولأقوال فقهاء الإسلام: إن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، وتوقف الاجتهاد يعني تعطيل أحكام الشريعة.

* الدكتور عمر القاضي استاذ القانون بالجامعات المصرية.